فصل: إجازة السلطان موسى ابن السلطان أبي عنان من الأندلس إلى المغرب واستيلاؤه على الملك وظفره بابن عمه السلطان أبي العباس وازعاجه إلى الأندلس.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.نهوض السلطان إلى تلمسان وفتحها وتخريبها:

كان السلطان لما بلغه ما فعل العرب وأبو حمو بالمغرب لم بشغله ذلك عن شأنه ونقم على أبي حمو ما أتاه من ذلك وأنه نقص عهده من غير داع إلى النقض فلما احتل بدار ملكه بفاس أراح أياما ثم أجمع النهوض إلى تلمسان وخرج في عساكره على عادتهم وانتهى إلى تاوربرت وبلغ الخبر إلى أبي حمو فاضطرب أمره واعتزم على الحصار وجمع أهل البلد عليه واستعدوا له ثم خرج في بعض تلك الليالي بولده وأهله وخاصته وأصبح محيما بالصفصف وانفض أهل البلد إليه بعضهم بعياله وولده مستمسكين به متفادين من معرة هجوم العساكر فلم يرعه ذلك عن قصده وارتحل ذاهبا إلى البطحاء ثم قصد بلاد مغراوة فنزل في بنى بو سعيد قريبا من شلف وأنزل أولاده الأصاغر وأهله بحصن تاحجمومت وجاه السلطان إلى تلمسان فلكها واستقر فيها أياما ثم هدم أسوارها وقصور الملك بها بإغراء وليه ونزمار جزاء بما فعله أبو حمو في تخريب قصر تازروت وحصن مرادة ثم خرج من تلمسان في اتباع أبي حمو ونزل على مرحلة منها وبلغه الخبر هنالك بإجازة السلطان موسى ابن عمه أبي عنان من الأندلس إلى المغرب وأنه خالفه إلى دار الملك فانكفأ راجعا وأغذ السير إلى المغرب كما نذكر ورجع أبو حمو إلى تلمسان واستقر في ملكه بها كما ذكرناه في أخباره.

.إجازة السلطان موسى ابن السلطان أبي عنان من الأندلس إلى المغرب واستيلاؤه على الملك وظفره بابن عمه السلطان أبي العباس وازعاجه إلى الأندلس.

قد تقدم أن السلطان محمد بن الأحمر المخلوع كان له تحتهم في دولة السلطان أبو العباس بن أبي سالم صاحب المغرب بما كان من إشارته علي محمد بن عثمان ببيعته وهو معتقل بطنجة ثم بما أمده من مدد العساكر والأموال حتى أمره واستولى على البلد الجديد كما قدمناه في أول خبره ثم بما كان له من الزبون عليهم بالقرابة المرشحين الذين كانوا معتقلين بطنجة مع السلطان أبي العباس من أسباط السلطان أبي الحسن من ولد أبي عنان وأبي سالم والفضل وأبي عامر وأبي عبد الرحمن وغيرهم وكانوا متعاهدين في معتقلهم أن من أتاح إليه له الملك منهم يخرجهم من الاعتقال ويجيزهم إلى الأندلس فما بويع السلطان أبو العباس وفى لهم بهذا العهد وأجازهم إلى الأندلس فنزلوا على السلطان ابن الأحمر أكرم نزل أنزلهم بقصور ملكه بالحمراء وقرب لهم المراكب وأفاض عليهم العطاء ووسع لهم الجرايات والأرزاق وأقاموا هنالك في ظل ظليل من كنفه فكان لهم به وثوب على ملك المغرب وكان الوزير القائم بها محمد بن عثمان يقدر له قدر ذلك كله فيجري في أغراضه وقصوده ويحكمه في الدولة ما شاء أن يحكمه حتى توجهت الوجوه إلى ابن الأحمر وراء البحر من أشياخ بني مرين والعرب وأصبح المغرب كأنه من بعض أعمال الأندلس ولما نهض السلطان إلى تلمسان خاطبوه وأوصوه بالمغرب وترك محمد بن عثمان بدار الملك كاتبه محمد بن الحسن كان مصطنعا عنده من بقية شيع الموحدين ببجاية فاختصه ورقاه واستخلفه في سفره هذا على دار الملك فلما انتهوا إلى تلمسان وحصل له من الفتح ما حصل كتبوا بالخبر إلى السلطان ابن الأحمر مع شيطان من ذرية عبو بن قاسم المرواني كان بدارهم وهو عبد الواحد بن محمد بن عبو كان يسمو بنفسه إلى العظائم التي ليس لها بأهل ويتربص لذلك بالدولة وكان ابن الأحمر بع كثرة تحكمه فيهم يتنحى لهم بعض الأوقات بما يأتونه من تقصير في شفاعة أو محالفة في الأمر لا يجدون عنها وليجة فيصطنع لهم ذلك فلنا قدم عليه عبد الواحد هذا بخبر الفتح وقص عليه القصص دس له أن أهل الدولة مضطربون على سلطانهم ومستبدلون به لو وجدوا وبلغ من ذلك ما حمل وما لم يحمل وأشار له بجلاء المغرب من الحامية جملة وأن دار الملك ليس بها إلا كاتب حضري لا يحسن المدافعة وهو أعرف به فانتهز الفرصة ابن الأحمر وجهز موسى ابن السلطان أبي عنان من الأسباط المقيمين عنده واستوزر له مسعود بن رخو بن ماسي من طبقات الوزراء من بنى مرين ومن بني قودر من أحلافهم وله في ذلك سلف وقد كان بعثه من قبل وزيرا للأمير عبد الرحمن بن أبي يفلوسن حين أجاز إلى المغرب أيام استبداد أبي بكر بن غازي فلم يزل معه حتى كان حصار البلد الجديد واستيلاء السلطان أبي العباس عليها وذهب عبد الرحمن إلى مراكش فاستأذنه مسعود في الانصراف إلى الأندلس فأذن له ورجع عنه إلى فاس ثم فارقها وأجاز إلى الأندلس متودعا ومتوددا للكل ومعولا على ابن الأحمر فتلقاه بالقبول وأوسع له النزول والجراية وخلطه بنفسه وأحضره مع ندمائه ولم يزل كذلك إلى أن جهزه وزيرا إلى المغرب مع السلطان أبي عنان وبعث معهما عسكرا ثم ركب السفين إلى سبتة وكانت بينه وبين شرفائها ورؤساء الشورى بها مداخلة فقاموا بدعوة السلطان موسى وأدخلوه وقبضوا على عاملها رحو بن الزعيم المكدوني وجاؤا به إلى السلطان فملكها غرة صفر من سنة ست وثمانين وسبعمائة وسلمها إلى ابن الأحمر فدخلت في طاعته وسار هو إلى فاس فوصلها لأيام قريبة وأحاط بدار الملك واجتمع عليه الغوغاء ونزل الدهش بمحمد بمن الحسن فبادر بطاعته ودخل السلطان إلى دار الملك وقبض عليه لوقته وذلك في عشر ربيع الأول من السنة وجاء الناس بطاعته من كل جانب وبلغ الخبر إلى السلطان أبي العباس بمكانه من نواحي تلمسان بأن السلطان موسى قد نزل بسبتة فجهز علي بن منصور وترجمان الجند وجند النصارى ببابه مع طائفة منهم وبعثهم حامية لدار الملك فانتهوا إلى تازى وبلغهم خبر فتحها فأقاموا هنالك وأغذ السلطان أبو العباس السير إلى فاس فلقيهم خبر فتحها بتاوريرت فتقدم إلى ملوية وتردد في رأيه بين المسير إلى سجلماسة مع العرب أوقصد المغرب ثم استمر عزمه ونزل بتازى وأقام فيا أربعا وتقدم إلى الركن وأهل دولته خلال ذلك يخوضون في الانتقاض عليه تسللا إلى ابن عمه السلطان موسى المتولي على فاس ويوم أصبح من الركن أرجفوا به ثم انتقضوا عليه طوائف قاصدين فاس ورجع هو إلى تازى بعد أن انتهب معسكره وأضرمت النار في خيامه وخزائنه ثم أصبح بتازى من ليلته فدخلها وعاملها يومئذ الخير من موالى السلطان أبي الحسن وذهب محمد بن عثمان إلى ولي الدولة ونزمار بن عريف وأمراء المغرب من المعقل ولما دخل السلطان أبو العباس إلى تازى كتب إلى ابن عمه السلطان موسى يذكره العهد بينهما وقد كان السلطان ابن الأحمر عهد إليه أن يبعث به إليه إن ظفر به فبادر السلطان موسى باستدعائه مع جماعة من وجوه بني عسكر أهل تلك الناحية وهم زكريا بن يحيى بن سليمان ومحمد بن داود بن أعراب ومعهم العباس بن عمر الوسناني فجاءوا به وأنزلوه بالزاوية بغدير الحمص بظاهر فاس فقيد هنالك ثم بعثه إلى الأندلس موكلا به مع عمر بن رحو أخي الوزير مسعود بن ماسي واستصحب ابنه أبا فارس وترك سائرهم بفاس وأجاز البحر من سبتة فأنزله السلطان ابن الأحمر بقلعة ملكه الحمراء وفك قيوده ووكل به ووسع له في الجراية فأقام هنالك محتاطا به إلى أن كان ما نذكره إن شاء الله تعالى.